×

بين الإعلام والتقنية.. حروب بلا أسلحة

بين الإعلام والتقنية.. حروب بلا أسلحة

لم تعد الحروب مجرد طلقات رصاص، وجيوشاً تتحرك، بل هي أفكار تتنقل كالهواء، وذرات إلكترون تتسرب في كل هاتف، وتلقي بآثارها على الحدود الوطنية، وخارجها، بسرعة كبيرة. لا يحتاج العدو لأن يطلق رصاصة بل ربما تغريدة، ولا يحتاج أن يرسل طائرة بل فايروساً خفياً، وفي الحالتين حقق أثره، وأصاب هدفه.

وفي استيعاب لهذه المخاطر غير المرئية، في عصر تغيّرت فيه أشكال الحروب، شهدت السعودية قفزات كبيرة في مجال الأمن السيبراني، والأمن الإلكتروني بشكل عام، بما فيه الإعلام، وذلك بمساهمة شعبية كبيرة تدرك الأخطار والتحديات التي تمر بها المنطقة، والمملكة بشكل خاص.

خطورة الحروب السيبرانية أنها لا تُرى ولا يمكن التنبؤ بها، وبدون شبكة أمان وبنية تحتية متطورة، فلا يمكن مواجهتها، بل إنه يمكن شل بلد كامل بمؤسساته ووزاراته وبنوكه، والقضاء على مقدراته، خلال ساعات قليلة جداً، ودون طلقة رصاصة واحدة.

لذلك تمكّنت السعودية من استيعاب الخطر الإلكتروني في فترة وجيزة، ليس الخطر السيبراني فحسب بل حتى الفكري والإعلامي، وتمّت السيطرة بقدرة لافتة على محاولات الاختراق عبر الضفاف غير المرئية، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، والصحف التي تواجدت إلكترونياً بشكل قوي، وتكوّنت بذلك جبهة وطنية قوية، قادرة على صد الهجوم ومحاولات التشويه.

خلال عمل جاوز العشرين عاماً في الصحافة، راقبت كيف كان لتطور العمل الإلكتروني دور كبير في تبيان وجهة النظر السعودية محلياً ودولياً، وكذلك بناء الصورة الذهنية للمواقف السعودية الرسمية. لقد كانت الوسيلة الأسهل والأسرع للتواصل مع جيل جديد، يريد أن يصل للمعلومة عبر التقنية الحديثة. يحسب للصحف السعودية أيضاً تواجدها المؤثر عبر منصات التواصل، مما أسهم في إنتاج محتوى مهني موثوق، وفق قواعد العصر، واهتمامات القارئ الجديد.

إنني أتذكر بكثير من الامتنان الدور المهم الذي لعبه معالي المستشار سعود القحطاني في مجالَي التقنية والإعلام الحديث، منذ سنوات طويلة، من خلال دعمه المهم للصحافة الإلكترونية فور بدايتها في السعودية، والصحفيين الشباب، وكذلك دوره المهم في تعزيز فكرة أهمية الأمن السيبراني للأمن الوطني، ودعم الشباب المهتمين بهذا الجانب، وهم أصحاب دور مهم في لبنات الجبهة الوطنية.

كان المستشار سعود القحطاني يدرك بوعيه الإعلامي والتقني، أهمية تقوية الجبهة السعودية في مواجهة حروب المستقبل، وهي خليط من الأفكار والفايروسات والمعلومات المضللة. وكشخص شديد الثقافة والبحث، أدرك أهمية وجود جبهة فكرية قوية، تواجه حروب الأفكار قبل حروب الأقمار، وهذا الجهد الفكري والتقني تطور مع مرور الوقت وأصبح له أثر مهم نلمسه في شتى الجوانب.

تواجه السعودية حملات كبيرة لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. هذه الحروب الجديدة تواجهها جبهة جديدة، شديدة التعليم الفكري، والتطور التقني، وهذا ما يجعل سور السعودية الفكري والتقني صعب التجاوز منه، أو القفز عليه.

​لم تعد الحروب مجرد طلقات رصاص، وجيوشاً تتحرك، بل هي أفكار تتنقل كالهواء، وذرات إلكترون تتسرب في كل هاتف، وتلقي  Read More

إرسال التعليق