×

العنوسة في ظل الاكتفاء

العنوسة في ظل الاكتفاء

بينما وأنا أسترجع قريبًا من الماضي وأعرّج بذاكرتي للوراء في تاريخ كان بالنسبة لنا ثروة من القيم في ظل الحياة والتكوين الأسري، كانت حياتنا بطبيعة الحال من ناحية الزواجات عامرة بتقاليد تحمل في طياتها البهجة والتآلف، حيث لم يكن الزواج مجرد عقد اجتماعي فحسب، بل كان حدثًا يحتفى به ويُنتظر بشغف من قبل الأهل والجيران.

كان الجميع يتشارك في صياغة الفرح والاحتفالات التي توثق الروابط الاجتماعية وتؤسس لحياة أسرية مستقرة.

ولكن مع تقلبات الزمن، تغيرت الأولويات واختلفت المعايير، وظهرت ظواهر لم تكن في الحسبان.

في الماضي، كان تأخر الزواج يُنظر إليه كأمر نادر يستدعي التساؤل وربما الشفقة، سواء للمرأة التي لم تتزوج في سن مبكرة أو للرجل الذي تجاوز العشرينات دون أن يؤسس أسرة.

أما في الوقت الراهن فقد أصبح الأمر شائعًا لدرجة لم تعد تستدعي نفس الدهشة أو القلق، بل بات خيارًا تتبناه فئة متزايدة في المجتمع.

لعل أحد أبرز العوامل التي أسهمت في هذا التحول هو شعور العديد من السيدات بالاكتفاء الذاتي، حيث أصبحت الحياة المستقلة أكثر سهولة بفضل الوظائف، والخدمات المتاحة، والقدرة على تحقيق الاستقرار المادي دون الحاجة إلى شريك حياة.

فالمرأة اليوم لم تعد ترى الزواج كضرورة حتمية، بل كخيار يمكن تأجيله أو حتى الاستغناء عنه، خاصة في ظل نمط حياة يحقق لها راحة وحرية شخصية.

لكن السؤال الأهم: هل يمكن اعتبار ذلك مجرد حالات فردية أم أننا أمام ظاهرة لها انعكاسات أوسع؟

وهل سيؤثر هذا التوجه على توازن المجتمع والأسرة في المستقبل؟

في الواقع لا نجد إجابة لحظية قد تلامس قناعتنا في ظل عجز الدراسات والاستطلاعات حول ذلك.

إن منح المرأة فرص العمل والعيش باستقلالية هو تقدم مهم يعكس تطور المجتمع، ويمثل دعمًا لمن هن بحاجة إلى ذلك.

ومع ذلك عندما يصبح العزوف عن الزواج أمرًا متزايدًا، فإنه يثير تساؤلات حول انعكاساته بعيدة المدى على النسيج الاجتماعي. فهل يؤدي هذا الاتجاه إلى تغيير مفاهيم الأسرة؟ وهل سينتج عنه ارتفاع في معدلات الزواج المتأخر والانفصال السريع بسبب قرارات متسرعة تعكس ضغوط الزمن أكثر من الرغبة الحقيقية في الاستقرار؟

إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الجانب المستقبلي للأفراد في ظل هذه التغيرات.

فمع تقدم العمر، قد يجد البعض أنفسهم في مواجهة واقع مختلف، حيث يصبح وجود أسرة وأبناء مصدر دعم نفسي واجتماعي، وحصنًا يمنحهم الطمأنينة في مراحل متقدمة من الحياة. فالزواج، إلى جانب كونه شراكة حياتية، يمثل نوعًا من التأمين العاطفي والاجتماعي،

ويصف الله عز وجل تلك العلاقة في قوله: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، والتمثيل هنا سواء للمرأة أو للرجل، وهو ما قد يعيد البعض للنظر في قراراتهم حين تتغير الظروف وتتضح الاحتياجات الحقيقية للمستقبل.

هذه التساؤلات ومعها جملة الكثير من الناس تدور في أنفسهم ومجالسهم الشخصية، تستحق أن تُطرح على طاولات النقاش بين المعنيين بالتخطيط الاجتماعي، وصياغة قرارات رسمية، بحيث تجد توازنًا يحقق للفرد حقه في الاختيار، دون أن يؤثر ذلك على استقرار المجتمع ومستقبله الأسري.

الزواج ليس مجرد التزام اجتماعي، بل هو عنصر مهم في تكوين مجتمع صحي ومتوازن، يحتاج إلى إعادة قراءة في ظل هذه المتغيرات، لضمان أن يبقى خيارًا قائمًا دون أن يكون عبئًا أو مجرد استجابة متأخرة لضرورات الحياة.

​بينما وأنا أسترجع قريبًا من الماضي وأعرّج بذاكرتي للوراء في تاريخ كان بالنسبة لنا ثروة من القيم في ظل الحياة والتكوين  Read More

إرسال التعليق