×

هل تصمد «هدنة غزة»؟

هل تصمد «هدنة غزة»؟

مثَّل اتِّفَاق وَقْف إطلاق النار في غزة انتصارًا للدبلوماسية، وإخفاقًا لرغبة إسرائيل في تسوية الأزمة الفلسطينية من خلال الحرب والإبادة والتهجير. ورغم توفر عديد من العوامل التي تدعم نجاحه، بما في ذلك الإرادة الأمريكية، ومحاولة تغيير هيكل العلاقات وموازين القوَّة في المنطقة، فإن ذلك لا يعني أنَّ وصول الاتِّفَاق إلى وقْفٍ كامل لإطلاق النار، أمر مضمون، في ظلِّ عدد من التحدِّيات، أبرزها الإحباط بين اليمين الإسرائيلي، والمعالجات القاصرة والمجزَّأة التي تضمَّنها الاتِّفَاق والتي لا تضمن وقْفًا مُستدامًا لإطلاق النار.

وبحسب المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة»، فإنَّ الاتِّفَاق يمثِّل اختراقًا مهمًّا لأزمة مستعصية، ورُبَّما يوفِّر فُرصة لالتقاط الأنفاس ومراجعة دروس ما حدَث، ولا يستبعد أن يفتح المجال لإقرار اتِّفَاق شامل للسلام يراعي حقوق الفلسطينيين ويعطي الأمل لقيام الدولة الفلسطينية، ويلبِّي تطلُّعات الشعوب العربية.

ورصد تقرير حديث أصدره المعهد بعنوان «قراءة في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة»، بعض الإشكاليات التي قد تعرقل فاعلية الاتِّفَاق، منها:

– غياب الضمانات، إذ لم يحدِّد الاتِّفَاق تفاصيل المرحلتين الثانية والثالثة، ولا يضمن تنفيذهما، واكتفى الوسطاء بتقديم ضمانات شفهية لحماس بأنَّ المفاوضات ستستمِرّ، وأنَّ الأطراف الثلاثة ستضغط للتوصُّل إلى اتِّفَاقٍ من شأنه أن يشهد تنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة، قبل انقضاء فترة أوّلية مدَّتها ستَّة أسابيع.

– الوقف المؤقَّت لإطلاق النار: لا يقضي الاتِّفَاق بالوقف الفوري لإطلاق النار، ولا يعني وَضْع نهاية حاسِمة للحرب، بل سيختبر الطرفان فُرَص إنهاء الحرب خلال مراحل تنفيذ الاتِّفَاق، ما يعني وجود احتمال للتراجع، خصوصًا أنَّ إسرائيل أصرَّت على عدم تقديم أيّ ضمانات مكتوبة تمنع استئناف هجماتها بمجرَّد انتهاء المرحلة الأولى وعودة أسراها المدنيين، ما قد يؤدِّي إلى انهياره في أيّ لحظة.

– الانسحاب المؤجَّل: لم يحدِّد الاتِّفَاق وقتًا محدَّدًا لانسحاب إسرائيل من القطاع بما يسمح بعودة النازحين، ما قد يخلق إشكاليات أمنية، ورُبَّما تراجُعًا من جانب إسرائيل، التي كانت لديها خُطَط من أجل تغيير الوضع في القطاع إلى الأبد.

– مستقبَل الحُكم في غزة: لم يُتوصَّل إلى اتِّفَاق حتى الآن بشأن من سيتولَّى إدارة غزة بعد انتهاء الحرب.

– قضية إعادة الإعمار: في ظلّ سيطرة الفصائل، تظَلّ مسألة إعادة الإعمار عملية معلَّقة، لأنَّ إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة رُبَّما لن تسمح بأيّ جهود للإعمار، في ظل سيطرة حماس على القطاع، خشية أن تذهب المساعدات المخصَّصة لعملية الإعمار لإعادة بناء الفصائل المسلَّحة قوّتها العسكرية وقُدراتها القتالية.

– نيات حكومة نتنياهو: تتبنَّى حكومة نتنياهو مشروع استيطان استعماري، وليس من المتوقَّع أن تلتزم ببقية مراحل الاتِّفَاق، إذ تتعارض شروط الاتِّفَاق مع المواقف المُعلَنة لعديد من أعضاء اليمين المتطرِّف في الحكومة.

– الغموض المحيط بتسوية القضية الفلسطينية: سؤال ما بعد الحرب في غزة معلَّق، فلا إسرائيل غيَّرت رأيها بشأن القضية الفلسطينية ومسألة الدولتين، ولا الدول العربية تنازلت عن شروطها وعن التمسُّك بالمبادرة العربية، ومن ثمَّ فإنَّ أحد العوامل، التي تدفع مسار وقْف إطلاق النار قُدُمًا، هو وجود مبادرة شاملة من أجل السلام. لكن شروط ذلك الأمر ليست متوفِّرة، وهو ما قد يجعل الصراع أكثر احتمالًا من التسوية والتهدئة، خصوصًا في ظل المساعي الإسرائيلية لتوسيع الاستيطان في الضفة وضمّ مزيد من الأراضي ومحاولة تكريس أمر واقع جديد.

ورغم هذه التحديات، لم يستبعد تقرير «رصانة» أن يقود الاتِّفَاق إلى مرحلة من الاستقرار والهدوء، لن يقتصر صداها على الأراضي الفلسطينية بما في ذلك إمكانية تحريك ملفّ التسوية، لكنَّه أيضًا سيُسهِم في وضْع حدّ للصراع الأوسع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الهجمات التي يشنّها الحوثيون على الناقلات في البحر الأحمر.

وتوقع أن يكون الاتِّفَاق رافعة لاستعادة الهدوء والاستقرار الإقليمي، وإزالة الضغوط على حركة الشحن عبر البحر الأحمر بما يُسهم في إعادة تدفُّق حركة التجارة، إذ تَضرَّرت بعض الدول جرّاء هذا التصعيد، كمصر التي تراجعت فيها عوائد قناة السويس تحت تأثير هجمات الحوثيين، وتكبَّدت الشركات تكاليف إضافية جرّاء استخدام مسارات بديلة حول القارة الأفريقية، ناهيك عن الأضرار البيئية نتيجة غرق ناقلات النفط بسبب الاستهداف.

​مثَّل اتِّفَاق وَقْف إطلاق النار في غزة انتصارًا للدبلوماسية، وإخفاقًا لرغبة إسرائيل في تسوية الأزمة الفلسطينية  Read More

إرسال التعليق