السياسة وعلم النفس!
من المؤكد أن الأحداث لا تصنع نفسها بنفسها، فالأحداث ما هي إلا نتاج لسلوك البشر، وفي اعتقادي الشخصي أن تحليل أي حدث لا يجب أن يعتمد على رؤية المحلل فحسب، بل قد يتطلب الاستعانة بعلم النفس لتحليل سلوكيات البعض، فهناك كثير من الأشخاص يعانون من الاضطراب النفسي ولكنهم خارج أسوار المصحات النفسية، ويصبح هؤلاء أشد خطراً في حال توليتهم مناصب قيادية في بلادهم وأحزابهم، ولهذا فإن تقييم السياسيين من منظور علم النفس قد يساعد في فهم الأحداث نفسها وما يمكن أن تؤول إليه، ولعل الاستعانة بالمحللين النفسيين في سياق تحليل تصريحات قادة سوريا ولبنان السابقين يوضح لنا أنهم لم يكونوا أكثر من مجرد مهرجين في بحر السياسة المتلاطم.
منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر دخلت عدة أطراف خط المواجهة المباشر مع إسرائيل، وهذه الأطراف هي سوريا وحزب الله وحماس في المقام الأول، وقد أبدى الكثير من المتابعين للأحداث تأييدهم لطرف وانتقادهم الحاد لطرف آخر، ولعل لهم الحق في ذلك فهم لا يرون من جبل الجليد إلا ما هو طافٍ فوق سطح الماء فقط، فحماس تحارب إسرائيل وحزب الله يؤيد حماس، وسوريا توفر الدعم اللوجستي لحماس، إذن المتوقع هو أن يشكّل هذا الثلاثي محور خير لا محور شر!.
في العام 2022 قام وفد من حماس بزيارة سوريا واستقبلهم نظام بشار الأسد بحفاوة استقبالاً حاراً، ومن المؤكد أن هذه الزيارة كان لها وقتذاك مغزى خاصاً ولاسيما أن أحداث السابع من أكتوبر اندلعت بعدها بعام، وأذكر أنه عند قراءتي لخبر الزيارة شعرت بأن تفكيري قد أصابه الشلل، فما علاقة هذه بتلك؟ وما الذي جمع الشامي بالمغربي؟! كما يقول المثل، عفواً أقصد ما الذي جمع الشامي بالحماسي؟!
هل حماس التي تريد تحرير فلسطين لم تجد سبيلاً أمامها لتحقيق ذلك سوى الارتماء في أحضان نظام بعثي كان سبباً في تدمير وتمزيق الأمة العربية؟ وهل ارتضى قادة حماس قبول الدعم من طاغية كان سبباً مباشراً في قتل وتهجير الملايين من أبناء شعبه وقبلوا أن يكون عوناً لهم في تحرير فلسطين؟ حقاً إن لم تستحِ فاصنع ما شئت، فبشار الأسد لم يطلق رصاصة واحدة ليحرر أرض الجولان السورية، فهل توقع هذا الطاغية المخلوع أن يبدأ تحرير الجولان من غزة؟!.
أما حزب الله الذي أضجر آذان متابعيه بشعاراته عن الحرية والمجد والتحرر من المحتل والخلاص من الطغاة، فقد أرسل جيشه وأسلحته منذ اندلاع الثورة السورية إلى سوريا لتقتل الآلاف من السوريين المدنيين العزل الذين انتفضوا ضد الطاغية بشار الأسد، فهل المقصود بالحرية التي يتغنى بها حزب الله هي تلك الحرية التي كان يتعامل بها نظام الأسد مع شعبه؟ والتي ظهرت نتائجها للعيان بعد هروبه المذل لروسيا، هل يريد حزب الله أن يقنعنا بأنه لم يكن يعلم شيئاً عن مجازر الأسد في معتقلاته؟
من المؤكد أن من قتلهم حزب الله من أبناء الشعب السوري أضعاف من قتلهم من الإسرائيليين أنفسهم، أما قادة حزب الله ممن سالت دموعهم الغزيرة على القتلى الفلسطينيين الذين دكتهم الآلة الإسرائيلية المتوحشة، لم يذرفوا دمعة واحدة على السوريين ممن امتلأت بهم سجون نظام الأسد والذين قضوا نحبهم تحت وطأة التعذيب، غير أن المثير للاستغراب -بل للاشمئزاز إن صح التعبير- أن نظام الأسد «الأب والابن» منذ تدخل سوريا في الشأن اللبناني في سبعينات القرن الماضي قام بعمليات اغتيال واسعة النطاق ضد رموز السياسة اللبنانية الرافضين للتدخل السوري في الشأن الداخلي اللبناني، ولم نسمع يوماً أن قادة حزب الله وجهوا سهام نقدهم لسوريا.
قبل سقوط نظام الأسد كانت إسرائيل تقصف الأراضي السورية مستهدفة مليشيات حزب الله ونظام الأسد الداعم له، ورغم ذلك لم تقم طائرة سورية واحدة تابعة لهذا النظام بردع العربدة الإسرائيلية، غير أن نفس هذه الطائرات -وبمشاركة حلفاء سوريا- كانت تقوم بسحق الشعب السوري المنتفض ودكه بأسلحة محرمة دولياً، وكأن المقدرات العسكرية السورية مسخرة فقط للتنكيل بالشعب السوري وليس لها علاقة بالدفاع عنه.
بعد سقوط نظام الأسد وجدت إسرائيل الفرصة سانحة أمامها لتدمير ما تبقى من المقدرات العسكرية السورية حتى أبادتها بشكل شبه كامل، ولقد تباكى الكثيرون على ضياع هذه المقدرات العسكرية التي تم هدرها، ولا أعلم ما قيمة أي مقدرات عسكرية عاجزة أمام عدو يسرح ويمرح في أراضيها وجوها، ولا تتحرك إلا لضرب الشعب الأعزل نفسه، ولا شك أن هذه القراءة للواقع السوري تؤكد على أنه لا طريق أمام الشعب السوري إلا الالتفاف حول نظامه الجديد وضروة التماسك في صف واحد، لمنع التدخلات الخارجية في الشأن السوري الداخلي وبناء الوطن وحمايته.
من المؤكد أن الأحداث لا تصنع نفسها بنفسها، فالأحداث ما هي إلا نتاج لسلوك البشر، وفي اعتقادي الشخصي أن تحليل أي Read More
إرسال التعليق